الجمعة، 24 أكتوبر 2008

التقديس لمن ؟!


التقديس يعني التطهير وقدوس هو من أسماء الله الحسنى أي الطاهر، وما نريد أن نتحدث عنه هنا هو ما هو شائع عن التقديس بأنه المنزه عن الخطأ بالإطلاق الذي لا يقبل المساس به كما هو معروف، وما دفعني إلى كتابة عن هذا الموضوع هو الاستخدام الخاطئ لهذا المصطلح، فهناك من يطلقه بعموميته فيقول مثلا (يحرم المس أو الطعن بالمقدسات الإسلامية) ولكن عندما نتساءل ما هي المقدسات الإسلامية؟ فيأتي بأمر عام أو يوسع دائرة التقديس فيدخل الأشخاص وقضايا بشكل لا يقبله العقل، وما ينبني عليه من مشاكل التحجير الفكري ،،
ونعود لسؤالنا لمن التقديس؟؟
فالتقديس "للحق" الخالص والحق هو ما ضد المجاز أي الثابت علميا باستخدام العقل، وهذا منهج إلهي أصيل يربينا الله سبحانه وتعالى عليه في كتابه (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)
الزخرف 81 ، فلو افترضنا لو أن العقل دلنا على أن لله ولد فلن نتردد بعبادته ولكن العقل جرنا إلى غير ذلك، فالله سبحانه وتعالى حق خالص لأن الإنسان يثبت وجود الله بالعقل فهو بذلك مؤمن - وأنصح الجميع بقراءة كتاب (كبرى اليقينيات الكونية) للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، ولديه دروس في (العقيدة) فهو خير من سمعت وقرأت له من من تكلم في العقيدة من ناحية علمية – فالله سبحانه وتعالى مقدس بل هو قدوس وكلامه حق (وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم) البقرة 155،
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم حق وما ينطق عن الهوى (يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق).

فهكذا انتهينا إلى أن الله سبحانه وتعالى حق مقدس وقوله وقول نبيه حق مقدس لدينا،،
ولكن هل هناك تقديس للأشخاص؟؟
أرى أنه ليس هناك تقديس للأشخاص إطلاقا، فقد يسأل سائل، وهل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليس بمقدس أيضا؟، ولقد ترددت كثيرا أن أكتب ما توصلت إليه، ولكن نبينا وحبيبنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم أراد أن يرشدنا إلى أنه ليس هناك تقديس للأشخاص فهو الذي قال (لا تطروني كما أطرت اليهود والنصارى أنبياءهم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري أي لا تعظموني، وفي الحديث الصحيح: "إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار"، والله سبحانه وتعالى يقول (يا أيها الناس قد حاءكم الرسول بالحق) فما (جاء) به النبي من التشريع هو الحق المقدس، وليس في ذلك أي نقص من حق النبي صلى الله عليه وسلم، ولكني أتصور أن هذا الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصله إلينا.
ماذا يعني عدم التقديس؟؟
هل عدم التقديس يعني الشتم والسب و والاستهزاء، فهذا المبدأ مرفوض بالإطلاق، ويبقى لكل إنسان أن يحب ما يشاء ويعلوا شأن من يشاء بالقدر الذي يشاء دون أن يصل إلى درجة التقديس.

فإن كان التقديس لله ولقوله وقول نبيه صلى الله عليه وسلم،،
فهل هناك تقديس للاجتهادات البشرية؟؟
فلو أن شخصا ما يقدس المذهب الشافعي ويرفض المساس به أو معارضته، فهذا مرفوض فله أن يعتبره حق ولكنه جزئي، و ليس بالحق الخالص الذي يصل مرحلة التقديس الغير قابل للنقاش أو الاعتراض بعد ثبوت حقيقته.

ونأتي إلى سؤال آخر،،
إذا كان التقديس للحقيقة، فما هو حق بالنسبة إليك كمسلم مثلا قد يكون باطل بالنسبة لغير المسلمين، فبناء عليه، ما هو مقدس بالنسبة إليك قد لا يكون كذلك لغيرك، فكيف نوفق بين ذلك؟؟
كل يتمسك بالحق الذي يعتقده ويقدسه ولا ضير في ذلك فلن أشتمه ولن أسبه وكذلك هو يجب أن يبادلني التعامل، وهذا ما يعلمنا الله سبحانه وتعالى إياه (ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله بغير علم)
الأنعام 108

ولكن السؤال الأخير المشكل الآن،،

لماذا الله سبحانه في القرآن يستحقر الكفار وآلهتهم، مما جعل كفار قريش يشتكون إلى أبي طالب فيقولون إنه يسفه دينهم ويسب آلهتهم، فكان ذلك واضحا في آيات كثيرة (صم بكم عمي فهم لا يعقلون)
البقرة 171 (أولوا كان آباؤهم لا يعقلون شيئا) البقرة170 (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا) الأعراف176 (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) الجمعة 5 ..

في اعتقادي أن الأمر متعلق بالعقل، كما هو متبين في الآيات السابقة ففيما يتعلق بالمشركين فهو واضح، وأما اليهود ووصفهم بهذا الوصف هو عدم اتباعهم التوراة،وللجواب على هذا السؤال بأكثر دقة وتفصيل نحتاج إلى مقال نعدكم به بإذن الله حول تمييز الإسلام بين أهل الكتاب والمشركين، فيكون السؤال في المقال القادم إن شاء الله (هل من حق الإنسان أن يبيع/يهمش عقله؟) "وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون"

ملاحظة: (لم نتطرق في هذا المقال عن (الأماكن المقدسة) لأنها باختصار تفهم فهم لغوي بحت أي (الأماكن المطهرة) ولا ينبني عليها عمل إلا إذا جاء نص يتعلق بعمل ما.